يا عزيزي كلنا بلطجيون

بدأنا في الآونة الأخيرة نسمع كثيراً عن البلطجة والبلطجيين، حاولت الرجوع لأصول عربية لهذه الكلمة، لم أفلح، وتبين لي أن الكلمة تركية الأصل، وتتكون من مقطعين، «بلطة» و»جي»؛ أي حامل البلطة، و»البلطة» معروفة للجميع، ووجدت من بين ما وجدته أن البلطجة اصطلاحاً، تعني اللجوء للقوة لاستغلال موارد الآخرين بهدف تحقيق مصلحة خاصة؛ وهي نابعة من احتياج صاحب القوة لموارد ومواهب وقدرات الآخرين لتوظيفها بطريقة نفعية.
بهذا المعنى الاصطلاحي تبين لي أننا كلنا بلطجيون بشكل أو بآخر، المسؤول الذي يستخدم نفوذه لارهاب الآخرين للحصول على مالا يجيزه له النظام، والأعراف المتبعة، هو مسؤول بلطجي بامتياز، الزوج الذي يستخدم القوة لاجبار زوجته على عمل ما لا يقره دين ولا منطق هو زوج بلطجي، الأستاذ الذي يوظف موقعه بين طلابه للوصول بالسطوة الى ما ليس من التربية والتعليم في شيء هو الآخر بلطجي، السائق الذي يحمل راكبا زيادة ويخالف القانون، ويضغط الركاب، مستغلاً طيبتهم، وأحياناً عدم حرصهم على الدخول معه في جدل بيزنطي، هو سائق بلطجي، ومثله السائق الذي يستغل موديل سيارته الحديث، ومهارته في القيادة، ليتجاوز في منطقة غير مسموح فيها التجاوز، فيضع المركبات الأخرى ونفسه والركاب والمشاة، في دائرة الخطر الذي قد يذهب بأرواحهم، أو يحيلهم الى أرقام في سجل الأشخاص ذوي الاعاقة، في سبيل أن يكسب نقلة زيادة، هو سائق بلطجي من فئة محترف.
والبلطجة لا تقتصر على الرجال دون النساء، فكم من أيدٍ ناعمة تمارس البلطجة القاسية بعنف، كم من زوجة تبدد مدخرات زوجها على أمور تافهة، وتحيله الى مجرد مُعيلٍ مَدينٍ لكل تاجر وقريب وصاحب، لتباهي بين صديقاتها بالقشور!!، كم من سيدة كبيرة، تحيل حياة زوجة وحيدها الى جحيم لا يطاق، وتظل تشي بالزوجة وتوغر عليها صدر الزوج، وتنسج لها المكائد حتى توقع بحقها الطلاق، وكم من زوجة تحيل بخبثها وبعدها عن الدين قلب زوجها الى صخرة صماء، وتقلب طاعته وحبه لوالديه، الى كراهية، ليصبح ولداً عاقاً بينه وبينهم ألف جدار من الجفاء والبغضاء!!.
ان البلطجة كأي صفة ذميمة، تبدأ بالأفراد قبل أن تصبح سمة من سمات المجتمع، أو نهجاً للحاكم والنظام، وعندما تنظف عيون الأفراد من قذى البلطجة، وتتطهر أيديهم من أدرانها، يمكن أن نطمئن أن خلاياها السرطانية وأورامها ستكون حميدة، يسهل على الحكماء استئصالها دون خشية من بقاء جذور لها في النسيج الاجتماعي يهدد بظهور مخاطرها مرة أخرى.
ان أسوأ أشكال البلطجة، تلك التي يمارسها نظام يبطش بمن يقف ليقول نريد انهاء الانقسام، نريد الوحدة!!، ولا أدري ما الذنب الذي ارتكبه فتية قالوا لزعاماتهم اعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا، دون أن يطالبوا بأي حقوق كما طالب غيرهم، باستثناء مطلب التوحد لمجابهة أطماع عدو مشترك!!.
للأسف كثيرة هي الأدوات والمعاني الجميلة التي عندما يساء استخدامها وتوظيفها، تأخذ في الحال المعنى القبيح البشع، فالدواء باذن الله شافٍ، ولكن أخذ جرعات كبيرة منه دفعة واحدة قد يؤدي للوفاة، وانهاء الحياة، الكرم صفة جميلة، وحين يوظف بطريقة خاطئة يصبح اسرافاً مذموماً أصحابه اخوان للشياطين.
ان البلطجة حين استخدمها المحاربون القدماء من الاغريق والمغول والأتراك والهنود الحمر، كانوا مثالاً للشجاعة، ولكن البلطجة اليوم صارت وصمة عار، لأنها توظف للظلم والابتزاز، فصارت كريهة نتنة.
يوسف ابو عواد - الحياة الجديدة