يا وابور قلي رايح على فين؟؟

شام إف إم – لين حمدان
يتوجه أبو صلاح منذ ساعات الصباح الأولى إلى أقرب «كازية» ليجد رتلاً كان قد امتلأ منذ المساء، ولا حل أمامه سوى الانتظار لساعات كي يأخذ حصته المتواضعة من البنزين.
يشعل سيجارة ويطفئ أخرى ويمر الوقت بطيئاً، يفكر بابنته التي أخبرته البارحة بأنها تشتهي أكل الفاكهة، التي كانت قد نسيت طعمها، ويفكر بأي جزء من النقود عليه التضحية كي يطعمها ما تشتهي! ثمن الدواء؟ أم أجرة البيت؟ أم طعام العائلة؟ ويمر الوقت، وتتحرك السيارات سنتيمترات قليلة إلى الأمام، بشرة خير، باقتراب الدور المنشود!
على الطرف الآخر من المدينة يُحتفل بعرض افتتاحي لفيلم سوري جديد يُختصر مضمونه بالحنين، محاولات عديدة للسينما السورية بترك أثرها، تتضمن اجتماعات ثقافية وندوات حوار ونقاش، وسط واقع سينمائي يحاول انتشال نفسه من أحكام جاهزة وفشل مربوط باسمه.
طرف ثالث يُطالب بسوريا كبلد علماني في مجتمع شرقي لايزال في جزء كبير منه متمسكاً بالأعراف الدينية والعادات والتقاليد، فيما يطرح طرف رابع موضوع الثقافة الجنسية للأطفال وأهمية دخولها في دورات تثقيفية وحتى في المناهج التدريسية، والكثير الكثير من الأطراف، لكن أين المدينة من "أبو صلاح"، سؤال يتردد صداه في كل مكان، ماذا لو عرض عليه أن يذهب لحضور فيلم مثلاً؟ أو لو أخذ أحد رأيه بعلمانية بلاده؟ ترى ما ردة فعله على مادة الثقافة الجنسية لأطفاله؟
يطفئ "أبو صلاح" سيجارته الأخيرة، عند اقترابه من الكازية، ويستذكر نوع الفاكهة المفضلة لدى ابنته.. تلتقط أذنه صوت قادم من سيارة خلفه، فيمتلئ المكان عن طريق راديو صغير بموسيقا عبد الوهاب تسأل "يا وابور قلي رايح على فين؟".
ظروف قاسية يتحملها أبو صلاح وغيره، كلٌ يعيش على هواه لكن وحده "التعتير" ثابت لا يتغير مع مرور الزمن.