يحدث في الجامعات المصرية

بداية.. أود التأكيد على أنني من المؤيدين للرأي القائل بأن ما حدث في الإسكندرية مؤخرًا، هو حادث إرهابي في المقام الأول، وليس حادثًا طائفيًا.. إلا أن المخططين كانوا بالذكاء والخبث بحيث ركزوا على علاقة يشوبها الكثير من التوتر وعدم الفهم منذ فترة طويلة بين أبناء الوطن الواحد، وبذلك يحققون هدفين.. الأول التذكير بأنهم لايزالون قادرين على اختراق مصر، والثاني هو إشعال نار الفتنة الطائفية.. ومع احترامى الشديد وتقديري العميق لكل مشاعر السخط والغضب والتعاطف التي سادت البلاد عقب الحادث مباشرة فإنني أحذر من البطء والتراخي في حل المشكلات الحقيقية، التي تهدد وبقوة وحدة وتماسك المصريين المشهودة منذ فجر التاريخ. ومن موقعى كأستاذ جامعي، ومسؤول سابق عن التعليم والطلاب في أكبر الكليات الجامعية في مصر، طب القاهرة، أستطيع أن أؤكد أن هناك بالفعل تمييزًا طائفيًا في الجامعات المصرية لا يمكن إنكاره، وهو يمثل في رأيي أحد أهم أسباب التوتر الطائفي في مصر، لأنه ببساطة يمس مستقبل شباب هذا البلد الواعد والمتميز، والذي يحلم بأن يقود في قادم الأيام راية العلم والتطوير والتحديث على أساس المنافسة الشريفة، والكفاءة، والمقدرة وليس أى شىء آخر.. وإليكم بعض أمثلة هذا التمييز المقيت: أولاً: لا توجد - حسب علمي - أي قيادة جامعية مسيحية في كل الجامعات المصرية على كل المستويات.. كما أن هناك أقسامًا علمية في كليات الطب تكاد تكون مغلقة فقط للطلاب المسلمين!! ثانيًا: تمارس أبشع صور التمييز الطائفي في بعض الامتحانات الشفهية والإكلينيكية في كليات الطب - ومن الجانبين.. فهذا أستاذ مسيحي يبحث عن المنتقبات والمحجبات من الطالبات لكي يخسف بدرجاتهن الأرض، وذاك أستاذ مسلم يتعمد البحث عن الطلبة المسيحيين المتفوقين لكي يوقف تقدمهم العلمى ويمنع وصولهم إلى المراكز المتقدمة!! ثالثًا: الطلاب المنتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين يتمتعون بنفوذ قوي وحضور واضح في كليات الطب، مما يثير حفيظة زملائهم المسيحيين الذين يحاولون بدورهم البحث عن صيغة تجمعهم في تنظيم ديني يواجه الإخوان المسلمين، وهذا ما يتنافى تمامًا مع جوهر الحياة الجامعية الحقيقية. رابعًا: اختفى تقريبًا النشاط الطلابي الحقيقي من الجامعات المصرية، باستثناء بعض الأنشطة الوهمية التى يخدع بها المسؤولون أنفسهم أمام أجهزة الإعلام، فإن الغالبية العظمى من طلاب الجامعات المصرية لا يمارسون أى نوع من أنواع النشاط الثقافي، أو الاجتماعي، أو السياسي الذي يتناسب مع إمكاناتهم الحقيقية وتطلعاتهم المشروعة.. وقد زاد الأمر سوءًا ذلك التوجه المريب وغير المسؤول بحظر النشاط السياسي - غير الديني - في الجامعات، إذ كيف بالله عليكم نربي شبابنا ونعده لقيادة مصر في المرحلة المقبلة وقد حرمناه من ممارسة أبسط حقوقه الإنسانية في المعرفة، والمناقشة، والحوار، وإبداء الرأي، والحق في الاختلاف؟! لقد أدت هذه المظاهر السلبية الخطيرة إلى حرمان مصر من الكثير من خيرة أبنائها من ذوي الكفاءات العلمية، والعقلية المتميزة، والذين آثروا الهجرة قسرًا بعد أن سُدّت أمامهم أبواب الأمل في بلادهم.. وإذا أضفنا إلى ذلك مظاهر التمييز الأخرى التي تلاحق أبناءنا عقب تخرجهم من كلا الطرفين - المسلم والمسيحي - فإننا نجد أنفسنا أمام وطن يأكل أبناءه ويقتل فيهم كل ذرة انتماء أو ولاء أو حب لهذا الوطن.. فهل لنا بعد ذلك أن نتحدث ونتغنى عن الأمل في المستقبل؟! إن الوضع جد خطير، ويحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية.. وإجراءات استثنائية حاسمة تتطلبها مرحلة استثنائية خطيرة في تاريخ مصر من أجل تصويب المسار. الأخطاء والخطايا واضحة.. والحلول معروفة للجميع فإما أن نكون أو لا نكون د. صلاح الغزالي حرب - المصري اليوم