يقين الشهيد.. ويقيننا أيضاً

 يقين الشهيد.. ويقيننا أيضاً

 

علي قاسم -  الثورة

يرسم وجدان السوريين صورة ناصعة للشهيد، وتحتفظ ذاكرتهم بمشاهد إنسانية نبيلة عن الشهادة.. وقد طوقت أعناقهم بأكاليل الورد والغار.. وكتبت على جبينهم العزة والفخار.. لم تكن علاقة السوريين بالشهادة والشهداء حالة طارئة في حياتهم.. ولا هي نتاج حقبة أو مرحلة إنما تمتد في عمق تاريخهم.. وفي صميم وجودهم.. وقد ارتبطت بمعاني العطاء اللامحدود والاستعداد الدائم للبذل والتضحية.‏

هذه العناوين بكل مفرداتها العريضة تحكمها على الدوام تفاصيل تغوص إلى أبعد مما يبرز.. وأقصى مما هو ظاهر رغم أهميته.. وتحرك في شعور السوريين تراكمات سنوات وعقود ألفت التمازج في الذاكرة الوطنية التي تبقى الحصن المنيع.‏

في المدن والقرى التي احتضنت جثامين الشهداء كانت المشاهد تتكرر، وكانت حالة الرضا عن الذات تنغرس في الوجدان.. لم تكن غريبة.. ولاهي خارج سياق تلك العلاقة التي كرستها تجارب لم تتوقف منذ فجر التاريخ.‏

وعلى امتداد أرض الوطن كانت زغاريد الشهادة هي الصوت الأعلى.. وهي الرسالة التي خطتها حناجر النسوة في استقبال الشهداء.. وفي وداعهم، كما رسمتها كلمات .. أبنائهم .. أشقائهم .. أبائهم.‏

في سورية المسألة ليست واجباً فحسب.. بل هي وسام يحرك هذا الوجدان الكامن فيهم.. وتلك العلاقة الأزلية التي رسمت حدود وتفاصيل التمازج بين الأرض والشهيد.. بين دمائه الزكية ورائحة التراب الوطني.‏

وعند لوحة الوطن المزنر بمواكبهم كان لابد من التوقف.. لابد من التمعن في معطياتها.. في دلالاتها.. في الحكاية التي يقدمها كل شهيد جديد وهو يحمي أمن الوطن والمواطن.‏

كل عام مرّ كان للشهيد وذكراه ايقاعه الخاص الذي يعيد إلى الذاكرة توهجها.. وهذا العام يمضي ليكون الشهيد حكاية كل سوري.‏

كل الدروب التي مضت فيها مواكبهم.. وكل الطرقات التي زينتها جثامينهم.. وكل الأرض التي احتضنتهم.. تزرع لحظة أمل جديدة.. ترنو إلى فجر آخر.. إلى يوم مشرق في حياة الوطن...‏ لكل شهيد يقينه بأنه مضى.. كي يزداد الوطن إشراقاً.. ولكل شهيد رسالته بأن الوطن كان وسيبقى مفدياً بأرواحنا.. وسيظل عنواناً للتضحية والعطاء دون حدود.‏

يقيننا نحن أيضاً اليوم وكل يوم أن أولئك الذين خطّوا بدمائهم الزكية فجراً جديداً للوطن سيبقى مضيئاً مشرقاً.. وستظل أرواحهم الطاهرة منارة لنا.. لأبنائنا.. لأجيالنا القادمة..‏ هكذا كانت علاقتنا بالماضي.. بتاريخنا.. بشهدائنا.. وهكذا ستبقى في الحاضر والمستقبل.. لنا ولأحفادنا.. وللقادمين من بعدنا.. ومن بعدهم.‏

في عيدهم.. تزهو سورية بتضحياتهم.. ترتسم في أفقها.. ملامح عطاءاتهم.. رسالتهم ويقينهم بأن الغد أفضل.. وبأن إشراقة الفجر الذي صنعوه لابد أن تستمر مهما حاولت قوى وأطراف وأجندات أن تحجبها، أو أن تغطي عليها.. أن تمنع ضياءها من البزوغ.‏

وفي عيدهم يحق لنا أن نفخر بهم.. وأن يكون يقيننا هو يقينهم.. ورسالتنا هي رسالتهم التي تعاهدنا عليها مسبقاً.. تقاسمنا حروفها.. ومفرداتها.. وتمازجت فينا نقاطها.. بمدادها المضيء والمتواصل.