يوميات

 

 

عادل محمود - الوطن

 

 

في رواية «الإخوة الأعداء» لليوناني العظيم كازنتزاكيس، يصل الأب «ياناروس» إلى حالة من اليأس على حافة نهر الدماء السائلة من الكريتيين (جزيرة كريت مسقط رأس الكاتب) ومن الأتراك، في الحرب الأهلية التي استمرت سنوات، لم يستطع الكاهن «ياناروس» تحمل مشهد الدماء اليومي والجثث في الطرقات، ولم يستطع حماية أحد من رعاياه المذعورين المشردين.

فذهب، وهو يزمجر من الغضب والحزن، إلى الكنيسة. ووقف تحت تمثال المسيح المصلوب... وخاطبه قائلاً: انزل عن صليبك الآن. انزل إلى الحارات، إلى رعاياك ودافع عنهم وأوقف النزيف، وتصاعد الخطاب حتى أصبح كفراً وهزءاً بالشكل الدرامي البائس لرجل مصلوب منذ حوالي ألفي عام... لكن المسيح ظل صامتاً، ولكن ظهرت عليه علامات الحزن الشديد... وربما بدا كأنه يحاول تحرير يديه وقدميه من المسامير.
في لحظة اليأس الذروة للكاهن، وهو يتمتم قائلاً مهدداً... سأهجرك أيها السيد، سأقطع علاقتي بك... رأى الدم يسيل من القدمين المقدستين على الصليب، فيصرخ خارجاً متفائلاً... ولكنه يجد أمامه نهر الدماء إياه لا يزال يسيل ويسيل!

 

-2-
نهاية القرن الثامن عشر اجتمع الكونغرس الأمريكي، ليعترف بأنه جرت «تجاوزات» في العمليات الحربية ضد الهنود الحمر. والتجاوزات هذه بلغة الأرقام تعني مصادرة 99% من أراضي الهنود، عبر مجازر جماعية راح ضحيتها عشرون مليوناً منهم، كما بُنيت واشنطن على أنقاض قرية هندية!
قرر الكونغرس إعادة بعض الأراضي للهنود... ولكن واجه مشكلة صغيرة جداً، وهي أنه لم يكن هناك من يستلمها... لقد أفني أصحابها!!

 

-3-
أتطلع حولي، كل إنسان يبكي، أتطلع مرة أخرى ولا أرى شيئاً.
عيناي غائمتان بالدموع مثل البقية.
لقد مارس البشر الظلم بما فيه الكفاية، ولن أتسامح معه، بعد الآن، يجب أن نقدم الهواء النظيف والألعاب والتعليم لأطفال الأرض جميعاً، والحرية والحب للنساء، والود واللطف للرجال، وحبّةً من القمح لهذه الفرس المنهكة التي تهزّ ذيلها: قلب الإنسان. (كازنتزاكيس مرة أخرى نيابة عنا).

 


-4-
كان والي حمص يغيب يومين كل شهر... يختفي عن الأنظار. وعندما سألوا عنه، ذات غياب، عرفوا الأسباب: كان يغسل ثوبه الوحيد وينتظره ليجف ليلبسه ويذهب إلى دار الولاية يقضي ويحكم بين الناس!
في موسم الحج، عندما ذهب وفد حمصي إلى عمر بن الخطاب، حاملاً مطالب المدينة، كانت لديهم لائحة بأسماء الفقراء. والمفاجأة أن من بين الأسماء كان الوالي: سعيد بن عامر! (تذكروا هذا الاسم، وانسوا المحافظين)!

 


 

-5-
كلما رأيت مسؤولاً سابقاً، أصبح معارضاً لاحقاً، يخطر لي أنه لن يعترف بآثامه وأخطائه وخطاياه... بل جرائمه، إلا بالطريقة نفسها التي كانوا يستعملونها لانتزاع الاعترافات من الضحايا..!